تقع البردة في حوالي 162 بيتا ، وقد شرحت وفسرت أكثر من تسعين مرة في العربية والفارسية والتركية والبربرية . وخمست وثلثت وشطرت مرات كثيرة ؛ وقد ترجمت إلى عدة لغات منها اللاتينية والألمانية والفارسية
تنقسم قصيدة البردة إلى عشرة فصول ندرجها كالآتي :
الفصل الأول : في ذكر عشق رسول الله
يبتدأ البوصيري قصيدته بمقدمة غزلية على عكس باقي الشعراء ، فهو لم يتغن بمحاسن محبوبته أو هجرها له ، وإنما نراه يشكوا آلام غرام من نوع خاص ، وعن لائميه في حبه العذري ، والوشاة الكاشفين لسره مهما بالغ في كتمانه .
كذلك نراه يردد أسماء مواضع حجازية ونجدية ، مثل ذي سلم وكاظمة وإضم ، وكل ذلك دليل على أن هذه المقدمة الغزلية إنما هي تعبير رمزي لحبه للرسول – صلى الله عليه وسلم – وشوقه لزيارته .
أمن تذكر جيران بذى سلم * مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة * وأومض البرق في الظلماء من إضم
فما لعينيك إن قلت اكففا همتا * وما لقلبك إن قلت استفق يهم
إني اتهمت نصيح الشيب في عذلي * والشيب أبعد في نصح عن التهم
الفصل الثاني : في منع هوى النفس
يتحدث البوصيري في هذا الفصل عن النفس الأمارة بالسوء ، والتحذير من الانقياد لهواها وشهواتها ، فهي كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم ، وترددت خلالها عبارات أصبحت من الحكم الجارية على الألسنة ، مثل قوله :
– إن الطعام يقوي شهوة النهم .
– إن الهوى ما تولى يُصْمِ أو يَصُمِ .
– فرب مخمصة شر من التخم .
فإن أمارتي بالسوء ما اتعظت * من جهلها بنذير الشيب والهرم
ولا أعدت من الفعل الجميل قرى * ضيف ألم برأسي غير محتشم
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها * إن الطعام يقوي شهوة النهم
والنفس كالطفل إن تهمله شب على * حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه * إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
الفصل الثالث : في مدح الرسول الكريم
خصص الشاعر هذا الفصل في مدح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، حيث تحدث عن زهده مع ما عرض عليه من كنوز الأرض ، وعن كمال شمائله واصطفاء الله تعالى له .
ثم يذكر أنه سيد الكونين ( السماء والأرض ) ، والثقلين ( الإنس والجن ) ، والجنسين ( العرب والعجم ) ، وهو حبيب الله وصاحب الشفاعة يوم الحساب ، ورقي مرتبته بين سائر الأنبياء .
ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى * أن اشتكت قدماه الضر من ورم
وراودته الجبال الشم من ذهب * عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت زهده فيها ضرورته * إن الضرورة لا تعدو على العصم
محمد سيد الكونين والثقلين * والفريقين من عرب ومن عجم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته * لكل هول من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستمسكون به * مستمسكون بحبل غير منفصم
فاق النبيين في خلق وفي خلق * ولم يدانوه في علم ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من البحر أو رشفا من الديم
الفصل الرابع : في مولد المصطفى
في هذا الفصل يتحدث عن مولده ( عليه الصلاة والسلام ) وما صاحبه من بشائر ، حتى بدا وكأن الكون كله يحتفل بهذا المولد في نشوة وطرب ، ومن هذه البشائر تصدع إيوان كسرى ، وخمود نار المجوس ، وجفاف بحيرة ساوة ، وتعم الفرحة أرجاء الكون والسماء .
أبان مولده عن طيب عنصره * يا طيب مبتدأ منه ومختتم
يوم تفرس فيه الفرس أنهم * قد أنذروا بحلول البؤس والنقم
وبات إيوان كسرى وهو منصدع * كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من أسف * عليه والنهر ساهي العين من سدم
وساء ساوة أن غاضت بحيرتها * ورد واردها بالغيظ حين ظمي
كأن بالنار ما بالماء من بلل * حزنا وبالماء ما بالنار من ضرم
والجن تهتف والأنوار ساطعة * والحق يظهر من معنى ومن كلم
الفصل الخامس : ذكر معجزات الرسول الكريم
يتحدث الشاعر في هذا الفصل عن معجزاته ( عليه الصلاة والسلام ) ، فذكر سجود الأشجار له ، ومشيها إليه ، وتظليل الغمامة إياه ، وانشقاق القمر ، وما صنع الحمام والعنكبوت بالغار ، وكيف كان لمس راحة يده يبرئ المريض ، وكيف كانت دعوته ترسل الأمطار في سنة الجفاف .
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة * تمشى إليه على ساق بلا قدم
مثل الغمامة أنى سار سائرة * تقيه حر وطيس للهجير حم
أقسمت بالقمر المنشق إن له * من قلبه نسبة مبرورة القسم
وما حوى الغار من خير ومن كرم * وكل طرف من الكفار عنه عم
فالصدق في الغار والصديق لم يريا * وهم يقولون ما بالغار من أرم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على * خير البرية لم تنسج ولم تحم
كم أبرأت وصبا باللمس راحته * وأطلقت أربا من ربقة اللمم
وأحيت السنة الشهباء دعوته * حتى حكت غرة في الأعصر الدهم
الفصل السادس : في ذكر شرف القرآن
يتحدث في هذا الفصل عن معجزة القرآن الكريم ، حيث يصف عجز العرب عن معارضة بلاغته ، وأن عجائبه لا تحصى ومعانيه لا تنفد ، فكأنه البحر في تتابع أمواجه ، وكأن ألفاظه لآلئ البحر في الحسن والقيمة .
دعني ووصفي آيات له ظهرت * ظهور نار القرى ليلا على علم
فالدر يزداد حسنا وهو منتظم * وليس ينقص قدرا غير منتظم
دامت لدينا ففاقت كل معجزة * من النبيين إذ جاءت ولم تدم
ما حوربت قط إلا عاد من حرب * أعدى الأعادي إليها ملقي السلم
ردت بلاغتها دعوى معارضها * رد الغيور يد الجاني عن الحرم
لها معان كموج البحر في مدد * وفوق جوهره في الحسن والقيم
الفصل السابع : في ذكر معجزة الإسراء والمعراج
يتحدث الشاعر في هذا الفصل عن معجزة الإسراء والمعراج ، وكيف مضى الرسول ليلا من الحرم المكي إلى حرم بيت المقدس ، ثم عن معراجه في السموات السبع ، وأمّه الأنبياء في الصلاة .
يا خير من يمم العافون ساحته * سعيا وفوق متون الأينق الرسم
ومن هو الآية الكبرى لمعتبر * ومن هو النعمة العظمى لمغتنم
سريت من حرم ليلا إلى حرم * كما سرى البدر في داج من الظلم
وبت ترقى إلى أن نلت منزلة * من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
وقدمتك جميع الأنبياء بها * والرسل تقديم مخدوم على خدم
وأنت تخترق السبع الطباق بهم * في موكب كنت فيه صاحب العلم
الفصل الثامن : في ذكر جهاد النبي
يتحدث في هذا الفصل عن جهاد النبي – صلى الله عليه وسلم – ويشيد بشجاعته وشجاعة صحابته ، ويرد انتصاراتهم إلى ما بثه فيهم الرسول ( عليه الصلاة والسلام ) من روح التضحية والفداء .
راعت قلوب العدا أنباء بعثته * كنبأة أجفلت غفلا من الغنم
ما زال يلقاهم في كل معترك * حتى حكوا بالقنا لحما على وضم
ودوا الفرار فكادوا يغبطون به * أشلاء شالت مع العقبان والرخم
حتى غدت ملة الإسلام وهي بهم * من بعد غربتها موصولة الرحم
مكفولة أبدا منهم بخير أب * وخير بعل فلم تيتم ولم تئم
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم * ماذا رأى منهم في كل مصطدم
وسل حنينا وسل بدرا وسل أحدا * فصول حتف لهم أدهى من الوخم
طارت قلوب العدا من بأسهم * فرقا فما تفرق بين البهم والبهم
ومن تكن برسول الله نصرته * إن تلقه الأسد فى آجامها تجم
الفصلان التاسع والعاشر : ابتهالات ومناجاة
يختتم البوصيري قصيدته بمجموعة من الابتهالات والتوسل برسول الله ، ويعترف بتواضع ومذلة ، أنه قضى شطرا كبيرا من حياته يمدح بشعره ذوي الجاه والسلطان ؛ فلم يجن من ذلك سوى الندم والخسران ، ولكنه في النهاية وجد خلاصه في تخصيص مديحه ونفسه لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويطمع في شفاعته .
خدمته بمديح أستقيل به * ذنوب عمر مضى في الشعر والخدم
إذ قلداني ما تخشي عواقبه * كأنني بهما هدي من النعم
أطعت غي الصبا في الحالتين وما * حصلت إلا على الآثام والندم
فيا خسارة نفس في تجارتها * لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به * سواك عند حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي * إذا الكريم تجلى باسم منتقم
يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا * واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم